فصل: مسألة الرجل يعترف الدابة بالبلد فيقيم شاهدا واحدا ويسأل أن توقف له:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الرجل يعترف الدابة بالبلد فيقيم شاهدا واحدا ويسأل أن توقف له:

ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة:
وسئل مالك عن الرجل يعترف الدابة بالبلد، فيقيم شاهدا واحدا، ويسأل أن توقف له، حتى يأتي بشاهد آخر، فيوقف في طلب ذلك، فيقيم فيه أياما ثم يستحق ذلك بعد، على من ترى نفقتها في إقامتها؟ قال: والجواري كذلك، ثم قال: أرى النفقة ممن تكون له الدابة.
قال محمد بن رشد: قوله: أرى النفقة ممن تكون له الدابة، هو مثل ما في المدونة، إن النفقة على الشيء المدعى فيه في حال التوقيف ممن يقضى له به، يريد: إن المدعى عليه ينفق في حال التوقيف ممن يقضى له به، فإن قضي به للمدعي رجع عليه صاحبه بالنفقة، وقد قيل: إنهما ينفقان عليه جميعا لمن قضى له به منهما، ورجع عليه صاحبه بنصف النفقة. وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت، من كتاب الدعوى والصلح، وفي المجموعة.
وقد اختلف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق، وتكون الغلة له، ويجب التوقيف به على ثلاثة أقوال؛ أحدها: إنه لا يدخل في ضمانه، ولا تجب له الغلة، حتى يقضى له به. وهو قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح، والذي يأتي على قول مالك في المدونة: إن الغلة للذي في يديه حتى يقضى بها للطالب، وعلى قول سحنون في نوازله، من كتاب الغصب: إن المصيبة من المشتري حتى يحكم به للمدعي، وعلى هذا القول لا يجب توقيف الأصل المستحق، توقيفا يحال بينه وبينه، ولا توقيف غلته، وهو قول ابن القاسم في المدونة: إن الرباع التي لا تحول ولا تزول، لا توقف، مثل ما يحول ويزول، وإنما توقف وقفا يمنع من الأحداث فيها. والثاني: إنه يدخل في ضمانه، وتكون له الغلة، ويجب توقيفه وقفا يحول بينه وبينه؛ إذا ثبت له بشهادة شاهدين، أو شاهد وامرأتين. وهو قول مالك في رسم مرض بعد هذا من هذا السماع.
وظاهر قوله في موطئه إذ قال فيه: إن الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت الحق، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة؛ إذ قال: إن التوقيف يجب إذا أثبت المدعي حقه، وكلف المدعى عليه المدفع. والقول الثالث: إنه يدخل في ضمانه، وتجب له الغلة، فالتوقيف بشهادة شاهد واحد، وهي رواية عيسى، عن ابن القاسم، في رسم العرية، من سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح؛ أنه يحلف مع شهادة شاهده، وتكون المصيبة منه.
وإن كانت يمينه بعد موتها، فإن قيل: كيف يحلف لتكون المصيبة منه، ويستحق المستحق بينه الرجوع على بائعه بالثمن؟ قيل: ألا يحلف؛ لأنه إن نكل عن اليمين على هذه الرواية، يحلف المستحق منه الذي مات العبد عنده، أنه لا حق للقائم فيه، ولقد ادعى باطلا، ويرجع عليه بقيمته؛ لأنه أحق عليه يمينه العدا في توقيفه عليه بغير حق، ويؤيد هذا ما يأتي في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى بعد هذا.
وقول أشهب في نوازل سحنون، من كتاب الرهون: فليست يمين المستحق على هذه الرواية ليستحق غيره، وهو المستحق منه الرجوع على بائعه بالثمن، وإنما هي لينفي عن نفسه العدا في التوقيف الذي يدعيه عليه المستحق منه، فإن نكل عن اليمين حلف هو، وأغرمه القيمة؛ فما وقع في أحكام ابن زياد من أن التوقيف يجب في الدار بالقفل، وتوقيف الغلة بشهادة الشاهد الواحد، يأتي على هذا القول الثالث.
وكذلك النفقة أيضا، القول فيها يجري على هذا الاختلاف، فعلى القول الأول لا يجب للمقضي عليه الرجوع بشيء من النفقة على المقضي له؛ لأنه إنما أنفق على ما ضمانه منه، وغلته له. وعلى القول الثاني يجب له الرجوع عليه بما أنفق بعد ثبوت الحق بشهادة شاهدين، أو شاهد وامرأتين؛ لوجوب الضمان عليه، وكون الغلة له من حينئذ. وعلى القول الثالث يجب له الرجوع عليه بما أنفق منذ وقف، بشهادة الشاهد الواحد، لوجوب الضمان عليه، وكون الغلة له من حينئذ. وقد فرق في رسم حمل صبيا من رواية عيسى، عن ابن القاسم، من كتاب الدعوى والصلح، بين النفقة والضمان والغلة. فقال: إن النفقة ممن تصير إليه، والغلة للذي هي في يديه؛ لأن الضمان منه، وساوى بين ذلك عيسى من رأيه، وهو القياس، وكذلك ظاهر المدونة أنه مفرق بين النفقة والغلة. والصواب أن لا فرق بينهما، وفي أن يكونا تابعين للضمان، إما من يوم وجوب التوقيف بشهادة شاهد واحد، وإما من وجوبه بشهادة شاهدين، وإما من يوم القضاء والحكم، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يدعي الحرية ويذكر بينة غائبة والجارية مثل ذلك:

ومن كتاب يسلف في المتاع والحيوان المضمون:
قال مالك في العبد يدعي الحرية ويذكر بينة غائبة، والجارية مثل ذلك، قال مالك: لا أرى أن يقبل قول العبد، إلا أن يأتي ببينة، أو أمر يشبه فيه وجه الحق، فإن أتى بذلك، رأيت له ذلك، وإني لأستحب في الجارية أن يوقف صاحبها عنها، وإن كان مأمونا أمر أن يكف عن وطئها، وإن كان غير مأمون؛ إذا جاءت بأمر قوي في الشهادة، رأيت أن توضع علي يدي امرأة، ويضرب في ذلك أجل الشهرين والثلاثة، مثل الشاهد والعدل البين العدالة.
قال محمد بن رشد: قوله لا أرى أن يقبل قول العبد إلا أن يأتي ببينة، أو أمر يشبه فيه وجه الحق، فإن أتى بذلك، رأيت له ذلك، كلام وقع على غير تحصيل؛ إذ لا يصح أن يقبل قول العبد فيما ادعاه من الحرية، إلا إذا أتى على ذلك ببينة عدلة، لا إذا أتى على ذلك ببينة غير عدلة، أو بأمر يشبه فيه وجه الحق، والحكم في ذلك يفترق بين أن يأتي على دعوى بينة غير عدلة، أو بشاهد واحد عدل، وبين ألا يأتي بمن يشهد له ويشبه قوله، وبين أن لا يأتي بمن يشهد له، ولا يشبه قوله، حسبما مضى تحصيل القول فيه في سماع عبد المالك بن الحسن، من كتاب الأقضية، وقد مضى منه في رسم القبلة قبل هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة تكون بيده الأرض يزرعها في حياة أبيه زمانا يحوزها ثم يهلك أبوه:

وسئل مالك عن الرجل تكون بيده الأرض يزرعها في حياة أبيه زمانا يحوزها، ثم يهلك أبوه، فيقول: قد حزتها، وهي لي، قال مالك: ليس له ذلك إلا ببينة، أرأيت لو كان أبوه حيا، ثم قال ذلك، أكان ذلك له إلا ببينة؟ ومن ذلك أن يكون الولد في مال أبيه يدبر أمره، فهو وغيره ممن لا يدبر، بمنزلة واحدة، فقيل له: يا أبا عبد الله، فإن كان أجنبيا من الناس، قال ذلك أقوى أن يقول: اشتريت، ومات الشهود، وطال الزمان، فقيل له: أفترى ذلك للأجنبي؟ فوقف ولم يقض فيها بشيء، وكان رأيه أن يراه قويا. قال ابن القاسم: وهو رأيي، قال الإمام القاضي: مجرد الحيازة، لا ينقل الملك عن المحوز عليه إلى الحائز باتفاق، ولكنه يدل على الملك، كإرخاء الستر، ومعرفة العفاص والوكاء، وما أشبه ذلك من الأشياء، فيكون القول بها قول الحائز مع يمينه؛ لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من حاز شيئا عشر سنين فهو له»؛ لأن المعنى عند أهل العلم في قوله عَلَيْهِ السَّلَامُ هو له، أي إن الحكم يوجبه له بدعواه، فإذا حاز الرجل مال غيره في وجهه مدة تكون فيها الحيازة عاملة، وهي عشرة أعوام، دون هدم ولا بنيان، أو مع الهدم والبنيان، على ما نذكره من الخلاف في ذلك بعد هذا وادعاء ملكا لنفسه، بابتياع أو هبة أو صدقة، وجب أن يكون القول قوله في ذلك مع يمينه.
واختلف إن كان هذه الحائز وارثا، فقيل: إنه بمنزلة الذي ورث ذلك عنه، في مدة الحيازة، وفي أنه لا يتبع بها، دون أن يدعي الوجه الذي تصير به ذلك إلى مورثه، وهو قول مطرف وأصبغ، وقيل: تكون مدته في الحيازة أقصى، وليس عليه أن يسأل عن شيء؛ لأنه يقول: ورثت ذلك، ولا أدري بما تصير ذلك إليه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب. وقول ابن الماجشون: وقوله عندي بين في أنه ليس عليه أن يسأل عن شيء، وأما المدة فينبغي أن يستوي فيها الوارث والمورث؛ لعموم قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من حاز شيئا عشر سنين هو له»، وتضاف مدة حيازة الوارث إلى مدة حيازة المورث، مثل أن يكون الوارث قد حاز خمسة أعوام ما كان مورثه، قد حاز خمسة أعوام، فيكون ذلك حيازة على الحاضر.
وقد اختلف على القول بأن العشرة الأعوام ليست بحيازة؛ إذا لم يكن هدم ولا بنيان، أو مع الهدم والبنيان إن طالت حيازته مدة تبيد فيها الشهود، وهي العشرون عاما على اختلاف في ذلك، فقيل: إن القول قوله في البيع والهبة والصدقة، وهو قول ابن القاسم في رسم البراءة، من سماع عيسى، من كتاب القسمة، وقيل: إن القول قوله في البيع، لا في الهبة والصدقة والنزول. وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت، من سماع عيسى، من هذا الكتاب.

.مسألة أقسام الحيازات:

والحيازات تنقسم على ستة أقسام؛ لأنها على مراتب ست، أضعفها حيازة الأب على ابنه، والابن على أبيه، ويليها حيازة الأقارب الشركاء بالميراث أو بغير الميراث، بعضهم على بعض، وتليها حيازة القرابة بعضهم على بعض، فيما ليس شرك بينهم فيه، والموالي والأختان الأشراك بمنزلتهم، وتليها حيازة الموالي والأختان بعضهم على بعض فيما لا شرك بينهم فيه، وتليها حيازة الأجنبيين الأشراك بعضهم على بعض، فيما لا شرك بينهم فيه، وهي أقواها، وقد قال: إن سبب الشركة أقوى من سبب القرابة، فالحيازة بينهم أضعف وهو بعيد، وإنما الذي يشبه أن يستوي السببان، وسنزيد هذا المعنى بيانا في رسم الكبش، من سماع يحيى، إذا وصلنا بالشرح إن شاء الله.
والحيازة تكون بثلاثة أشياء: أضعفها السكنى والازدراع، ويليها الهدم والبنيان، والغرس والاستقلال، ويليها التفويت بالبيع والهبة، والصدقة والنحل والعتق، والكتابة والتدبير والوطء، وما أشبه ذلك مما لا يفعله الرجل إلا في ماله، والاستخدام في الرفيق، والركوب في الدواب، كالسكنى فيما يسكن، والازدراع فيما يزرع، والاستقلال في ذلك كله كالهدم والبنيان في الدور، وكالغرس في الأرضين.
فأما حيازة الابن على أبيه، والأب على ابنه، فلا اختلاف في أنها لا تكون بالسكنى والازدراع، ولا في أنها تكون بالتفويت من البيع والهبة والصدقة، والعتق والتدبير والكتابة والوطء، واختلف هل يحوز كل واحد منهما على صاحبه بالهدم والبنيان والغرس أم لا على قولين؛ أحدهما: أنه لا يحوز عليه بذلك، إن ادعاه ملكا لنفسه، قام عليه في حياته أو بعد وفاته، وهو قول مالك في هذه الرواية، والمشهور في المذهب، يريد والله أعلم، إلا أن يطول الأمر جدا إلى ما تهلك فيه البينات، وينقطع فيه العلم. والثاني: أنه يحوز عليه بذلك، قام عليه في حياته أو على سائر ورثته بعد وفاته؛ إذا ادعاه ملكا لنفسه، وكان لا ينتقل بالحيازة من موضع إلى موضع، وهو قول ابن دينار في كتاب الجدار، وفي الواضحة وقول مطرف في الواضحة أيضا.
وأما حيازة الأقارب الشركاء بالميراث، أو بغير الميراث، فلا اختلاف في أنها لا تكون بالسكنى والازدراع، إلا على ما تأوله بعض الناس على ما في المدونة في قوله: وهذا من وجه الحيازة الذي أخبرتك من أنه لا فرق على مذهبه في المدونة في الحيازة بين الأقارب والأجنبيين، وهو بعيد، ولا في أنها تكون حيازة بالتفويت من البيع والهبة والصدقة، والعتق والكتابة والتدبير والوطء، وإن لم تطل المدة.
فصل: وهذا الذي ذكرناه من أنه لا اختلاف في أن الحيازة تكون بين أهل الميراث بالتفويت من البيع والهبة والصدقة والعتق، والكتابة والتدبير، وما أشبه ذلك من الوطء، الذي لا يصح للرجل أن يفعله إلا فيما خلص من ماله، وإن لم تطل المدة، هو أمر متفق عليه في الجملة، ويفترق الحكم فيه على التفصيل؛ إذ لا يخلو من أن يكون فوت بذلك كله الكل أو الأكثر، أو الأقل أو النصف، وما قاربه.
فأما إذا فوت الكل بالبيع، فإن كان المحوز عليه حاضر الصفقة، فسكت حتى انقضى المجلس، لزمه البيع في حصته، وكان له الثمن، وإن سكت بعد انقضاء المجلس، حتى مضى العام ونحوه، استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه أنه انفرد بالوجه الذي يذكره من ابتياع أو مقاسمة أو ما أشبه ذلك، وإن لم يعلم بالبيع إلا عند وقوعه، فقام حين علم، أخذ حقه، وإن لم يعلم إلا بعد العام ونحوه، لم يكن له إلا الثمن، وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة، لم يكن له شيء، واستحقه الحائز بما ادعاه بدليل حيازته إياه.
وأما إذا فوته بالهبة أو الصفقة، أو التدبير أو العتق، فإن كان حاضرا فسكت حتى انقضى المجلس، لم يكن له شيء، وإن لم يكن حاضرا، فقام حين علم، كان على حقه، وإن لم يقم إلا بعد العام ونحوه، كان القول قول الحائز، وإن لم يكن له هو شيء.
وأما إذا فوته بالكتابة، فيتخرج ذلك على الاختلاف بالكتابة، هل تحمل محمل البيع، أو محمل العتق؟ وقد مضى القول في كل واحد منهما، وكذلك إذا حاز الكل بالوطء والاتحاد بعلم المحوز عليه من الورثة فهي حيازة، وإن لم تطل المدة، فإن حاز شيئا مما ذكرناه الأكثر، كان الحكم فيه على ما تقدم، ويختلف في الباقي على قولين؛ أحدهما: أنه يكون تبعا للأكثر، فيستحقه الحائز بحيازته الأكثر، مع يمينه على ما ادعاه من أنه صار به إليه. وهو قول ابن القاسم قرب آخر رسم الكبش، من سماع يحيى بعد هذا، إلا أنه لم يذكر اليمين. والقول الثاني: أنه لا يكون تبعا له، فيكون للمحوز عليه حقه فيه بعد يمينه على تكذيب صاحبه في دعواه، وهو ظاهر قول ابن القاسم في سماع سحنون؛ إذ لم يفرق في ذلك بين القليل والكثير، فكان الشيوخ يحملونه على الخلاف لما في سماع يحيى.
وإن حاز بشيء مما ذكرنا الأقل، فقيل: إنه يستحقه بحيازته إياه، ولا يكون تبعا لما لم يحز، وهو ظاهر قول ابن القاسم أيضا في سماع سحنون بعد هذا، وقيل: إنه لا يستحقه بحيازته إياه بذلك، ويكون تبعا لما لم يحز، فيأخذ المحوز عليه حقه فيه، إن كان عبدا فأعتق كان له قيمة حظه على الذي أعتقه، وإن بيع كان له حظه من الثمن الذي بيع به، وإن وهب أو تصدق به أخذ حظه منه، إلا أن لا يجده فيكون له قيمة حظه منه على الذي وهب أو تصدق به. وهو قول ابن القاسم قرب آخر رسم الكبش، من سماع يحيى بعد هذا.
وأما إذا فوت بشيء من ذلك كله النصف أو ما قاربه، فلا اختلاف في أنه لا يكون بعض ذلك تبعا لبعض، فيستحق الحائز بحيازته ما حاز منه، ويكون ما لم يحز منه بينهما على سبيل الميراث. فيتأول ما في سماع سحنون على أن الذي حازه الوارث بهذه المعاني متناصفا أو متقاربا، فلذلك قال: إنه لا يكون القليل تبعا للكثير، لا فيما حاز ولا فيما لم يحز، فلا يكون على هذا ما في سماع سحنون مخالفا لما في سماع يحيى، ولا يكون خلاف في أن القليل تبع للكثير فيما حيز وفيما لم يحز، على ما وقع في سماع يحيى.
وهو أول من حمل ذلك على الخلاف على ما كان يحمله عليه الشيوخ، وكذلك القول فيما حازه الوارث على أوراثه بالهدم والبنيان، أو الاستغلال العشرة الأعوام، على القول بأن ذلك يكون حيازة بين الأوراث، يختلف هل يكون القليل من ذلك تبعا للكثير فيما حيز، وفيما لم يحز على ما ذكرناه، ولا فرق في مدة حيازة الوارث على أوراثه بين الرباع والأصول والثياب والحيوان والعروض، وإنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي مال الأجنبي بالاعتمار والسكنى والازدراع في الأصول، والاستخدام والركوب واللباس في الرقيق والدواب والثياب، فقد قال أصبغ: إن السنة والسنتين في الثياب حيازة إذا كانت تلبس وتمتهن، وإن السنتين والثلاث حيازة في الدواب إذا كانت تركب، وفي الإماء إذا كن يستخدمن، وفي العبيد والعروض فوق ذلك، ولا يبلغ في شيء من ذلك كله بين الأجنبيين إلى العشرة الأعوام كما يصنع في الأصول قال: وما أحدث الحائز الأجنبي فيما عدا الأصول من بيع أو عتق أو تدبير أو كتابة أو صدقة أو إصداق أو وطء في الإماء بعلم مدعيه أو بغير علمه، فلم ينكر ذلك حين بلغه استحقه الحائز بذلك.
هذا كله معنى قول أصبغ دون نصه، واختلف قول ابن القاسم في حيازة الشركاء بالميراث بعضهم على بعض بالهدم والبنيان، فمرة قال: إن العشر سنين في ذلك حيازة، ومرة قال: إنها لا تكون حيازة إلا أن يطول الأمر أزيد من الأربعين سنة، كحيازة الأب على ابنه والابن على أبيه، وقع اختلاف قوله في رسم الكبش، من سماع يحيى، من هذا الكتاب. وأما حيازة القرابة بعضهم على بعض فيما لا شرك بينهم فيه، فمرة جعله ابن القاسم كالقرابة الأشراك، فرجع عن قوله في أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان، إلى أنه لا حيازة بينهم في ذلك إلا مع الطول الكثير، وهو نص قوله في الرسم المذكور، من سماع يحيى بعد هذا؛ ومرة رآهم بخلاف القرابة الأشراك، فلم يرجع عن قوله في أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان، وهو دليل قوله في الرسم المذكور من رواية يحيى.
ثم رجع ابن القاسم فيما يحوزه الوارث على أشراكه بالهدم والبنيان؛ لأن فيه دليلا أنه لم يرجع عن قوله فيما سواهم من الموالي والأصهار والقرابة، الذين لا شركة بينهم، فيتحصل على هذا فيهما جميعا ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن العشرة الأعوام مع الهدم والبنيان حيازة فيهما جميعا. والثاني: أنها ليست بحيازة فيهما، إلا مع طول المدة. والثالث: الفرق بينهما، وأما حيازة الموالي والأختان والأصهار، فيما لا شركة لهم فيه، فمرة جعلهم ابن القاسم كالأجنبيين، تكون الحيازة بينهم بالعشرة الأعوام، دون هدم ولا بنيان، وهو قوله في رسم شهد، من سماع يحيى بعد هذا من هذا الكتاب، وقوله في رسم حمل صبيا، من سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح، ومرة جعلهم كالقرابة الذين لا شركة بينهم، فيتحصل فيهم ثلاثة أقوال؛ أحدها: أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام، وإن لم يكن هدم ولا بنيان. والثاني: أنها لا تكون الحيازة بينهم في العشرة الأعوام إلا مع الهدم والبنيان. والثالث: أنها لا تكون الحيازة بينهم بالهدم والبنيان، إلا أن يطول الزمان جدا.
وأما الأجنبيون الأشرك، فلا حيازة بينهم في العشرة الأعوام. إذا لم يكن هدم ولا بنيان، وتكون في العشرة الأعوام حيازة مع الهدم والبنيان، ولا يدخل اختلاف قول ابن القاسم في ذلك، الواقع في الرسم المذكور من سماع يحيى، بدليل قوله فيه بين الورثة يحاص، وقد قيل: إنه يدخل اختلاف قول ابن القاسم في ذلك، وهو تأويل عيسى بن دينار في كتاب الجدار، وسنزيد هذا المعنى بيانا في رسم الكبش، من سماع يحيى إن شاء الله.
وأما حيازة الأجنبيين بعضهم على بعض فيما لا شركة بينهم فيه، فالمشهور في المذهب، أن الحيازة تكون بينهم في العشرة الأعوام، وإن لم يكن هدم ولا بنيان، وفي كتاب الجدار لابن القاسم، أنها لا تكون حيازة إلا مع الهدم والبنيان، وهو قول ابن القاسم في رواية حسين بن عاصم عنه، ودليل ما في رسم إن خرجت من سماع عيسى بعد هذا، من هذا الكتاب، ويشهد لهذا القول ما وقع في الموطأ من قول ابن عبد الرحمن بن عوف في الأرض التي مكثت في يد أبيه سنين، فما كنت أراها إلا لنا من طول ما مكثت في يديه. ولا اختلاف في أنها تكون حيازة بينهم مع الهدم والبنيان، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق، اللهم لطفك.

.مسألة ابتاع جارية فتصدق بها على رجل ثم توفي واعترفت الجارية حرة:

ومن كتاب أوله سلعة سماها:
وسئل عن رجل ابتاع جارية، فتصدق بها على رجل، ثم إن الذي ابتاعها توفي، واعترفت الجارية حرة، فأخذ الثمن من البائع، لمن تراه؟ الورثة المتصدق، أم للذي تصدق بها عليه؟ قال: بل لورثة الذي تصدق بها، وليس للذي وهبت له من الثمن شيء.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في كتاب الشفعة من المدونة زاد فيها، وكذلك لو اشترى دارا فوهبها لرجل، فأتى رجل، فاستحق نصفها، وأخذ النصف الباقي بالشفعة، لم يكن للموهوب له من نصف الثمن الذي يأخذه المستحق بالشفعة شيء؛ لأن الواهب إنما وهب له الدار، ولم يهب الثمن، بخلاف إذا اشترى شقصا من دار، فوهبه لرجل، وهو يعلم أن لها شفيعا؛ لأن الواهب قد علم أن الشفيع إن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فليس له من الثمن شيء، ولو لم يعلم أن لها شفيعا لكان الثمن له، وقد اختلف هل هو محمول على العلم أو على غير العلم؟ وفي الشفعة من المدونة دليل على القولين جميعا، وبالله التوفيق، اللهم لطفك.

.مسألة يشتري السلعة فتوجد مسروقة فيقيم الذي اعترفها البينة عليها:

ومن كتاب الشريكين:
قال مالك في الرجل يشتري السلعة فتوجد مسروقة، فيقيم الذي اعترفها البينة عليها أنه ما باع ولا وهب في عملهم، ويحلف على ذلك ثم يعطاها، فإن أراد الذي اعترفت في يديه، أن يذهب بها إلى صاحبها الذي اشتراها منه ليأخذ ثمنها، فإن ذلك له، ولكن يضع قيمتها للذي استحقها، ثم تدفع إليه حتى يستخرج حقه، ولابد له من ذلك، فإن دخل السلعة تلف من موت أو نقصان، لحق أو غيره ضمنها، وكانت قيمتها للذي اعترفها، فإن تلفت القيمة، فهي من الذي كانت تصير إليه. قال مالك: وإن كانت جارية لم يأمنه عليها، رأيت أن يلتمس قوما ممن يخرج إلى تلك البلاد، فتدفع إليهم يكونون معها حتى يبلغونها، ويستخرج حقه، وإن لم يجد أحدا رأيت أن يستأجر عليها من يؤمن عليها، يخرج بها معه. قال ابن القاسم: وتكون تلك الأجرة على من يطلب بها حقه.
قال محمد بن رشد: قوله: فيقيم الذي اعترفها البينة عليها، أنها ماله وملكه، وأنه ما باع ولا وهب في علمه، يريد فيقيم الذي اعترفها البينة عليها، أنها ماله وملكه، وأنه ما باع ولا وهب في علمهم. وقوله: ويحلف على ذلك صحيح؛ لأن ما تشهد البينة فيه على العلم، فاليمين عليه من تمام الشهادة، وسقط في بعض الروايات من هذه المسألة في علمهم، وإذا سقط ذلك كان الظاهر أن البينة شهدت بذلك على القطع، وفي ذلك اختلاف، قد مضى القول فيه مستوفى في رسم الأقضية، من سماع أشهب، من كتاب الشهادات، فمن أحب الوقوف عليه، والعثور على حقيقة القول فيه، تأمله هناك، وسائر وجوه المسألة كلها بينة صحيحة لا اختلاف فيها، ولا إشكال في شيء من معانيها، وأصلها في المدونة وغيرها، وقد مضى طرف منها في رسم القبلة قبل هذا، وبالله التوفيق؛ اللهم لطفك.

.مسألة شهدوا في السرقة تسرق من رجل:

ومن كتاب سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قال: وقال مالك في الشهود: إذا شهدوا في السرقة تسرق من رجل، قال: يشهدون أنهم ما علموه باع، ولا وهب على العلم. قال ابن القاسم: هذا في الاستحقاق، ولا يقطع السارق بهذه الشهادة، ولا يقطع حتى يشهد أنهم رأوه يسرق.
قال محمد بن رشد: قوله: يشهدون أنهم ما علموه باع ولا وهب، معناه: أنهم يزيدون ذلك في شهادتهم على معرفة الملك بالبت؛ إذ لابد من الشهادة على معرفة الملك بالبت، وأما الزيادة على ذلك بأنهم لا يعلمونه باع ولا وهب، فهو من كمال الشهادة. ومما ينبغي للقاضي أن يوقف الشاهد على ذلك ويسأله عنه، فإن أبى أن يزيده في شهادته بطلت، ولم يصح الحكم بها، وإن قصر القاضي عن توقيف الشهود على ذلك، وسؤالهم عنه حتى ماتوا، أو غابوا حكم بشهادتهم مع يمين الطالب؛ إذ لا يصح للشاهد أن يشهد بمعرفة الملك، إلا مع أن يغلب على ظنه أنه لم يبع ولا وهب، فهي محمولة على الصحة. وقول ابن القاسم: إن السارق لا يقطع بهذه الشهادة، ولا يقطع إلا بالشهادة على معاينة السرقة بين واضح، لا إشكال فيه ولا اختلاف، وبالله التوفيق.

.مسألة وجد جاريته عند رجل قد ابتاعها وادعى أنها مسروقة فشهد عدلان أنها جاريته:

ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد:
وقال مالك في رجل وجد جاريته عند رجل قد ابتاعها، وادعى أنها مسروقة، فأقام رجلين عدلين، فشهدا أنها جارية له، ثم هلكت بيد الذي هي بيده، ولم يقض له بها. قال: أراها من الذي قامت له البينة بأنها مسروقة منه، ولا أرى له في ثمنها شيئا، وأن مصيبتها منه. قال ابن القاسم: ويرجع الذي كانت الجارية في يديه على بائعه بالثمن، وذلك إذا كان الذي استحقت في يده منتفيا من وطئها، ومن حمل إن كان بها، وأما إذا كان مقرا بوطئها ولم يدع الاستبراء، فماتت قبل أن تستبرأ فمصيبتها من الذي استحقها في يديه؛ لأن كل من كان عليه أن يستبرأ منه، فمصيبتها منه حتى يستبرئ.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية، وروايته عن مالك في أن الأمة المستحقة إذا ماتت في يد المستبرئ، بعد أن أثبتها المستحق؛ أن ضمانها منه، ويرجع المستبرئ الذي كانت بيده على بائعها منه بالثمن: هو قول مالك في موطاه، وقول غير ابن القاسم في كتاب الشهادات من المدونة.
وقد مضى في رسم الشجرة تحصيل الاختلاف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق، فلا معنى لإعادة ذلك. وقول ابن القاسم: ويرجع الذي كانت الجارية في يديه على البائع بالثمن، وذلك إذا كان الذي استحقت في يديه منتفيا من وطئها إلى آخر قوله، مفسر لقول مالك، ويأتي على ما في سماع أشهب من كتاب العيوب، في أن ضمان المردودة بالعيب من البائع، وإن كان المبتاع الراد لها بالعيب قد وطئها إذا ماتت قبل أن يتبين بها حمل أن يكون ضمان الجارية المستحقة من المستحق إذا ماتت بعد أن أثبتها على هذه الرواية، أو بعد أن حكم له بها على القول بأنها لا تدخل في ضمانه حتى يحكم له بها، وإن كان المبتاع المستحق منه قد وطئها إذا كان موتها قبل أن يتبين بها حمل.
وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في الموطوءة هل هي محمول على الحمل حتى يتبين أنه ليس بها حمل، أو على غير الحمل حتى يتبين أن بها حملا؟ فذهب ابن القاسم إلى أنها محمولة على الحمل حتى يتبين أنه ليس بها حمل، وهو المشهور، وقد قال مالك في المدونة: جل النساء على الحمل. وذهب أشهب إلى أنها محمولة على غير الحمل، حتى يتبين بها حمل، فهذا وجه القول في هذه المسألة، ولو أقام المستحق البينة عليها بعد موتها؛ لكانت مصيبتها من الذي كانت في يديه، ويرجع المستحق لها بالثمن على البائع أو بالقيمة إن كانت أكثر من الثمن إن كان غاصبا، قاله ابن القاسم في سماع عيسى، من كتاب الدعوى والصلح نصا. وذلك ما لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق.